يقول: "وهذه الحكمة فرقها الله سبحانه وتعالى بين أنبيائه ورسله"، أي: أعطاهم حصصاً وأنصبة منها، "وجمعها لمحمد صلى الله عليه وسلم"، فغاية الحكمة قد جمعها محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: "كما جمع له من المحاسن ما فرَّقه في الأنبياء قبله، وجمع في كتابه من العلوم والأعمال ما فرقه في الكتب قبله"، وزاد على ذلك.. "فلو جُمَعت كل حكمة صحيحة في العالم من كل طائفة، لكانت في الحكمة التي أوتيها النبي صلوات الله وسلامه عليه جزءاً يسيراً جداً لا يُدرِكُ البشر نسبته".
فلو أخذنا أفضل ما عند الهنود من الحكم، والتي تأتي أحياناً في المجلات والجرائد وفي الإذاعة، باسم: حكمة اليوم، يقولون: قال بيدبا ... قال طاغور ... قال أفلاطون ... قال أرسطو ... فلو جمعنا أفضل ما عندهم من الحكم الصائبة الصادقة، وجمعنا جميع ما عند الأمم جميعاً وانتقينا أفضل ما عندهم؛ لكانت نسبتها بالنسبة إلى ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لا يدرك البشر نسبته، وذلك مثل نسبة أي معلوم إلى ما لا يتناهى، أي: مثل نسبة الشيء الثابت إلى ما لا يتناهى، وهي القاعدة الرياضية المعروفة، بمعنى: أنك لو افترضت أي رقم ثم نسبته إلى ما لا نهاية له؛ فإنه يكون لا شيء مهما كان هذا الرقم كبيراً.
وهكذا كل حكم الحكماء بالنسبة إلى ما جاءت به الأنبياء والرسل -وخاصة محمداً صلى الله عليه وسلم- مهما كثرت؛ فإن نسبتها إلى هذه الحكمة الإلهية المبنية على التوحيد لا تعد شيئاً، ولا تكاد تعرف.